الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
فأجاب: إذا كان الحالف قد اعتقد أن المحلوف عليه يطيعه، ويبر يمينه، ولا يدخل إذا حلف عليه، فتبين له الأمر بخلاف ذلك، ولو علم أنه كذلك لم يحلف. ففي حنثه نزاع بين العلماء. والأقوى أنه لا يحنث. واللّه أعلم.
/ فأجاب: إن كان السبب الذي حلف لأجله قد زال فله أن يعود واللّه أعلم.
فأجاب: إن كانت قد اعتقدت أن حكم يمينه قد انقضي وفعلت المحلوف عليه بعد ذلك، لم يحنث الحالف. وإن كان قد قال أنت الساعة طالق منى ثلاثا؛ لاعتقاده أنه وقع به الطلاق، لم يقع بذلك شيء. واللّه أعلم.
فأجاب ـ رضي اللّه عنه: إن كان إحضار الحساب المطلوب قد عجز عنه المحلوف عليه، وعن إعادة المطلوب من الجامكية، لم يجز أن يطالب بواحد منهما، بل يلزم ولي الأمر الحالف بفراقه، وإذا ألزمه بذلك لم يحنث على الصحيح من قولي العلماء، ولم يكن عليه طلاق، سواء ألزمه بذلك وإلى حرب السلطان ونحوه، أو وإلى حكم، أو كاتب فوقه ينفذ حكمه فيه بالعدل وهكذا إن /لم يجب عليه إحضار أحدهما، فإنه إذا لم يكن واجبا في الشرع الذي بعث اللّه به رسوله صلى الله عليه وسلم وجب إلزامه بفراقه، وإذا فارقه والحال هذه لم يحنث. وكذلك إن اعتقد الحالف أن الأمر على صفة فتبين الأمر بخلافه، مثل أن يعتقد أن في الحساب كشف أمور يجب كشفها، فتبين الأمر بخلافه، فإنه لا يحنث عند كثير من العلماء إذا فارقه، وكذلك إن اعتقد أن إعادة الجامكية واجب عليه، فحلف على ذلك، ثم تبين أنه ليس بواجب، فإنه لا يحنث عند كثير من أهل العلم، وكذلك لو اعتقد أن المحلوف عليه قادر على الفعل المطلوب فتبين أنه عاجز، فإنه لا يحنث عند كثير من أهل العلم. وهو أحسن القولين، وأقواهما في الشرع. وكذلك لو اعتقد أنه خان أو سرق مالا، فحلف على إعادته، ثم تبين أنه لم يخن، ولم يسرق فإنه لا يحنث في أصح قولي العلماء. واللّه أعلم.
وسئل ـ رحمه اللّه ـ عن رجل حلف بالطلاق الثلاث وهو غضبان: أنها ما تدخل بيت عمتها، ورزقت زوجته ولداً، ثم بعد ذلك دخلت المرأة المحلوف عليها بيت عمتها، وكان قد قال للحالف ناس: إنه إذا ولدت المرأة ودخلت فلا حنث عليه، أفتونا؟ /فأجاب: إذا كان الحالف قد اعتقد أن المرأة إذا ولد لها ولد لا حنث عليه، ودخلت بهذا الاعتقاد، فلا حنث عليه، لكن يمينه باقية، فإذا فعل المحلوف عليه عالماً عامداً حنث. واللّه أعلم.
فأجاب: إن كانت اعتقدت أن هذه الصورة ليست داخلة في يمينه، وأنها لا تكون مخالفة ليمينه إذا فعلت ذلك، لم يحنث الحالف في يمينه.
/فأجاب ـ أيده اللّه: إذا كان قد اعتقد أن العتيقة قد خانته فحلف إن لم تأت بذلك لأخرجها؛ لأجل ذلك، ثم تبين أنها لم تخنه، لم يكن عليه أن يخرجها، ولا حنث عليه. واللّه أعلم
فأجاب. إن كان نية الحالف أو سبب اليمين يقتضي الحلف على ذلك التزويج خاصة، جاز أن يزوجها المرة الثانية، مثل أن يكون قد امتنع لتزويجه؛ لكونه طلب منه جهازا كثيراً، ثم في المرة الثانية قنع بها بلا جهاز. وأما إن كان السبب باقيا، حنث. واللّه أعلم.
/فأجاب: إن كان نيته أن سبب اليمين يقتضي أنه امتنع لسبب وقد زال ذلك السبب انحلت يمينه في أظهر قولي العلماء. واللّه أعلم.
فأجاب: الطلاق والحالة هذه لا يقع به في أصح قولي العلماء، كما هو إحدى قولي الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد؛ فإن هذه هي مسألة الجاهل والناسي، والنزاع فيها مشهور هل يحنث، أم لا يحنث، أم يفرق بين اليمين المكفرة وغيرها؟ والصواب أنه لا يحنث مطلقًا؛ لأن البر والحنث في اليمين بمنزلة الطاعة والمعصية في الأمر؛ إذ كان المحلوف عليه جملة طلبية. فـإن المحلوف عليه، إما جملة خبرية، فيكون مقصود الحالف التصديق، والتكذيب. وإما جملة طلبية، فيكون مقصود الحالف /الحض والمنع، فهو يحض نفسه أو من يحلف عليه، ويمنع نفسه أو من يحلف عليه، فهو أمر ونهي مؤكد بالقسم. فالحنث في ذلك كالمعصية في الأمر المجرد. ومعلوم أنه قد استقر في الشريعة: أن من فعل المنهي عنه ناسيا أو مخطئًا معتقداً أنه ليس هو المنهي ـ كأهل التأويل السائغ ـ فإنه لا يكون هذا الفاعل آثمًا ولا عاصيًا، كما قد استجاب اللّه قول المؤمنين: ومعلوم أن الحالف بالطلاق والعتاق لم يجعل ذلك تعليقا محضًا ـ كالتعليق بطلوع الشمس ـ ولا مقصوده وقوع الشرط والجزاء ـ كنذر التبرر، وكالتعليق على العوض في مثل الخلع ـ وإنما مقصوده حض نفسه، أو منع من حلف عليه ومنع نفسه أو من حلف عليه، كما يقصد ذلك الناذر ـ نذر الحجاج، والغضب ـ ولهذا اتفق الفقهاء على تسمية ذلك يمينًا، وكان الصحيح في مذهب أحمد وغيره جواز الاستثناء في ذلك؛ بخلاف المحض فإنه إيقاع موقت، فليس هو يمين على الصحيح، ولا ينفع فيه الاستثناء منه عند من لا يجوز الاستثناء في الإيقاع، كمالك، وأحمد، وغيرهما. واللّه أعلم.
/ فأجاب: اذا كان الحالف صادقا في يمينه فلا حنث عليه. وكذلك إذا اعتقد صدق نفسه فلا حنث عليه، ولو كان الأمر في الباطن بخلاف ذلك ـ في أصح قولي العلماء. واللّه أعلم.
فأجاب ـ نور اللّه مرقده وضريحه: الحمد للّه رب العالمين، له أن يتزوجها، ولا يقع بها طلاق إذا تزوجها عند جمهور السلف، وهو مذهب الشافعي وأحمد، وغيرهما.
/ فأجاب: اذا جامعها بعد الولادة ينظـر في ذلك إلى نية الحالف وسبب اليمين، فإن كان حلف لسبب وزال السبب فلا حنث عليه ـ في أظهر قولي العلماء في مذهب أحمد وغيره، فإن من حلف على معين لسبب: كأن يحلف أن لا يدخل البلد لظلم رآه فيه، ثم يزول الظلم. أو لا يكلم فلانا، ثم يزول الفسق، ونحو ذلك، ففي حنثه حينئذٍ قولان في مذهب أحمد وغيره أظهرهما أنه لا حنث عليه؛ لأن الحض والمنع في اليمين كالأمر والنهي، فالحلف على نفسه أو غيره بمنزلة الناهي عن الفعل. ومن نهي عن دخول بلد أو كلام شخص لمعني ثم زال ذلك المعني زال المنهي عنه، كما إذا امتنع أن يبدأ رجلا بالسلام؛ لكونه كافراً فأسلم. وألا يدخل بلداً؛ لكونه دار حرب، فصار دار إسلام. ونحو ذلك، فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها. /فالرجل إذا حلف لا يواقع امرأته إذا كان قصده عقوبتها؛ لكونها تماطله وتنشز عليه إذا طلب ذلك، فإذا تابت من ذلك وصارت مطيعة موافقة زال سبب الهجر الذي علقها به، كما لو هجرها لنشوز ثم زال. وأما إن كان قصده الامتناع من وطئها أبداً؛ لأجل الذنب المتقدم، تابت، أو لم تتب بحيث لو علم أنها تتوب توبة صحيحة كان مقصوده عقوبتها على ما مضي، كما يعاقب الرجل غيره لذنب ماض تاب منه أو لم يتب، لا لغرض الزجر عن المستقبل، بل لمجرد شفاء غيظه، ونحو ذلك، فهذا نوع آخر واللّه أعلم.
فأجاب: إذا انقضت المدة فله وطؤها ولا شيء عليه إذا لم تطالبه بالوطء عند انقضاء أربعة أشهر. هذا مذهب مالك، وأحمد، والشافعي، والجمهور. وهو يسمى موليًا.
/ فأجاب: إذا كانت نيته أو سبب اليمين يقتضي أنه لا يطؤها بملك كان له أن يتزوجها ويطأها، وإن كان ذلك يقتضي أنه لا يطؤها بحال لا ملك ولا عقد حنث إذا فعل المحلوف عليه. واللّه أعلم.
فأجاب: إذا أكره على اليمين بغير حق، بأن يكون عاجزًا عن وفاء الدين/وأكره على اليمين، وإلا حبس وضرب، لم ينعقد يمينه، ولا حنث فيها، واللّه أعلم.
وسئل ـ رحمه اللّه فأجاب: اذا أكره على اليمين بغير حق لم تنعقد يمينه، ولا حنث عليه وإذا لم يمكن من أعوان الضمان فليس له عنده حق، لا في الشرع، ولا في العادة. وإذا لم يكن له عنده حق لم يحنث بترك إعطائه. واللّه أعلم.
وسئل عن رجل وضع حجة في بيت أخيه فعدمت فأجاب: إن كانت الحجة قد عدمت قبل اليمين، ولكن اعتقد بقاءها، فإنه لا يحنث عند جمهور العلماء؛ لوجهين أحدهما: أنه حلف على ممتنع لذاته، كما لو حلف ليشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه. وهذا لا يحنث عند الأكثرين. والثاني: اعتقد بقاءها وإمكان أعطائها، فحلف على شيء يعتقده موصوفا بصفة فتبين بخلاف تلك الصفة.
فأجاب: لا يقع فيه الطلاق، ولا كفارة عليه والحال هذه. ولو قيل له: قل: إن شاء اللّه ينفعه ذلك أيضًا، ولو لم يخطر له الاستثناء إلا لما قيل له. واللّه أعلم.
/فأجاب: إن كان اعتقاده أنه إذا قال: الطلاق يلزمني إن شاء اللّه أنه لا يقع به الطلاق، ومقصوده تخويفها بهذا الكلام، لا إيقاع الطلاق، لم يقع الطلاق. فإن كان قد قال في هذه الساعة: إن شاء اللّه فإن مذهب أبي حنيفة والشافعي أن الطلاق المعلق بالمشيئة لا يقع، ومذهب مالك وأحمد يقع، كما روي عن ابن عباس، لكن هذا لما كان مقصوده واعتقاده أنه لا يقع صار الكلام عنده كلاما لا يقع به طلاق، فلم يقصد التكلم بالطلاق. وإذا قصد المتكلم بكلام لا يعتقد أنه يقع به الطلاق، مثل ما لو تكلم العجمي بلفظ وهو لا يفهم معناه لم يقع، وطلاق الهازل وقع؛ لأن قصد المتكلم الطلاق وإن لم يقصد إيقاعه. وهذا لم يقصد لا هذا، ولا هذا وهو يشبه ما لو رأى امرأة فقال: أنت طالق ـ يظنها أجنبية ـ فبانت امرأته، فإنه لا يقع به طلاق على الصحيح. واللّه أعلم.
/ فأجاب: المسألة السريجية باطلة في الإسلام، محدثة، لم يفت بها أحد من الصحابة والتابعين ولا تابعيهم، وإنما ذكرها طائفة من الفقهاء بعد المائة الثالثة، وأنكر ذلك عليهم جمهور فقهاء المسلمين. وهو الصواب؛ فإن ما قاله أولئك يظهر فساده من وجوه. منها أنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن اللّه أباح الطلاق كما أباح النكاح، وأن دين المسلمين مخالف لدين النصارى الذين لا يبيحون الطلاق، فلو كان في دين المسلمين ما يمتنع معه الطلاق لصار دين المسلمين مثل دين النصارى. /وشبهة هؤلاء أنهم قالوا: إذا قال لامرأته: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم طلقها بعد ذلك طلاقا منجزا، لزم أن يقع المعلق، ولو وقع المعلق يقع المنجز، فكان وقوعه يستلزم عدم وقوعه، فلا يقع، وهذا خطأ، فإن قولهم: لو وقع المنجز لوقع المعلق: إنما يصح لو كان التعليق صحيحا، فأما إذا كان التعليق باطلاً لا يلزم وقوع التعليق، والتعليق باطل؛ لأن مضمونه وقوع طلقة مسبوقة بثلاث، ووقوع طلقة مسبوقة بثلاث باطل في دين المسلمين. ومضمونه ـ أيضا ـ إذا وقع عليك طلاقي لم يقع عليك طلاقي. وهذا جمع بين النقيضين، فإنه إذا لم يقع الشرط لم يقع الجزاء. وإذا وقع الشرط لزم الوقوع. فلو قيل: لا يقع مع ذلك، لزم أن يقع ولا يقع، وهذا جمع بين النقيضين. وأيضا، فالطلاق إذا وقع لم يرتفع بعد وقوعه، فلما كان كلام المطلق يتضمن محالاً في الشريعة ـ وهو وقوع طلقة مسبوقة بثلاث ـ ومحالاً في العقل، وهو الجمع بين وقوع الطلاق وعدم وقوعه، كان القائل بالتسريج مخالفا للعقل والدين، لكن إذا اعتقد الحالف صحة هذا اليمين باجتهاد أو تقليد، وطلق بعد ذلك معتقدا أنه لا يقع به الطلاق، لم يقع به الطلاق؛ لأنه لم يقصد التكلم بما يعتقده طلاقا، فصار كما لو تكلم العجمي بلفظ الطلاق وهو لا يفهمه، بل وكذلك لو خاطب من يظنها أجنبية بالطلاق فتبين أنها امرأته، فإنه لا يقع به على الصحيح. ولو تبين له فساد التسريج بعد ذلك، وأنه يقع المنجز /لم يكن ظهور الحق له فيما بعد موجباً لوقوع الطلاق عليه. وكذلك إن احتاط فراجع امرأته خوفاً أن يكون الطلاق وقع به، أو معتقداً وقوع الطلاق به، لم يقع. ولو أقر بعدما تبين له فساد التسريج أن الطلاق وقع لم يقع بهذا الإقرار شيء، ولو اعتقد وقوع الطلاق فراجع امرأته، ثم فعل المحلوف عليه معتقداً أنه قد حنث فيه مرة فلا يحنث فيه مرة ثانية، لم يقع به، فهذا الفعل شيء واليمين التي حلف بها أنه لا يفعل ذلك الشيء باقية، فإن كان سبب اليمين باقيًا فهي باقية، وإن زال سبب اليمين فله فعل المحلوف عليه؛ بناء على ذلك، ولم يحنث. وكذلك لو تزوجها ثم فعل المحلوف عليه معتقدًا أن البينونة حصلت وانقطع حكم اليمين الأولى لم يحنث؛ لاعتقاده زوال اليمين، كما لا يحنث الجاهل بأن ما فعله هو المحلوف عليه في أصح قولي العلماء. وأما قوله لزوجته بعد ذلك: أنت طالق، فإنه تقع هذه الطلقة، وإذا اعتقد أنه بهذه الطلقة قد كملت ثلاثا، وأقر أنه طلقها ثلاثا، لم يقع بهذا الاعتقاد شيء، ولا بهذا الإقرار.
/الجواب: هذه المسألة لم يفت بها أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، لا من الصحابة، ولا التابعين، ولا أئمة المذاهب المتبوعين ـ كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد ـ ولا أصحابهم الذين أدركوهم ـ كأبي يوسف، ومحمد، والمزني، والبويطي، وابن القاسم، وابن وهب، وإبراهيم الحربي، وأبي بكر الأثرم، وأبي داود، وغيرهم ـ لم يفت أحد منهم بهذه المسألة، وإنما أفتى بها طائفة من الفقهاء بعد هؤلاء، وأنكـر ذلـك عليهم جمهور الأمة كأصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد، وكثير من أصحاب الشافعي، وكان الغزالي يقول بها ثم رجع عنها وبين فسادها. وقد علم من دين المسلمين أن نكاح المسلمين لا يكون كنكاح النصارى. والدور الذي توهموه فيها باطل؛ فإنهم ظنوا أنه إذا وقع المنجز وقع المعلق وهو إنما يقع لو كان التعليق صحيحا، والتعليق باطل؛ لأنه اشتمل على محال في الشريعة، وهو وقوع طلقة مسبوقة بثلاث؛ فإن ذلك محال في الشريعة، والتسريج يتضمن لهذا المحال في الشريعة، فيكون باطلا. وإذا كان قد حلف بالطلاق معتقداً أنه لا يحنث، ثم تبين له فيما بعد أنه لا يجوز، فليمسك امرأته، ولا طلاق عليه فيما مضى، ويتوب في المستقبل. والحاصل أنه لو قال الرجل لامرأته: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا. فطلقها، وقع المنجز على الراجح، ولا يقع معه المعلق؛ لأنه لو وقع المعلق وهو الطلاق الثلاث لم يقع المنجز ـ لأنه زائد على عدد الطلاق، وإذا لم يقع المنجز لم /يقع المعلق. وقيل: لا يقع شيء؛ لأن وقوع المنجز يقتضي وقوع المعلق، ووقوع المعلق يقتضي عدم وقوع المنجز، وهذا القيل لا يجوز تقليده. وابن سريج بريء مما نسب إليه فيها، قاله الشيخ عز الدين.
هل تصح مسألة ابن سريج، أم لا؟ فإن قلنا: لا تصح فمن قلده فيها، وعمل فيها، فلما علم بطلانها استغفر اللّه من ذلك؟ فأجاب: الحمد للّه رب العالمين، هذه المسألة محدثة في الإسلام، ولم يفت بها أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا أحد من الأئمة الأربعة، وإنما أفتى بها طائفة من المتأخرين، وأنكر ذلك عليهم جماعة علماء المسلمين. ومن قلد فيها شخصا ثم تاب فقد عفا اللّه عما سلف، ولا يفارق امرأته وإن كان قد تزوج بها إذا كان متأولا. واللّه أعلم.
/فأجاب: الحمد للّه، النكاح صحيح لا يحتاج إلى استئناف والتسريج الذي لا يتكلم به لا يفسد النكاح باتفاق العلماء، لكنه إن طلقها بعد ذلك وقع به الطلاق عند جماهير أهل العلم: من أصحاب مالك، وأحمد، وأبي حنيفة وكثير من أصحاب الشافعي، أو أكثرهم.
فأجاب: الحمد للّه، أما إن قصد كلما تزوجتها برجعة أو عقد جديد ـ وهو ظاهر كلامه ـ فمتى ارتجعها قبل انقضاء العدة طلقت ثانية، ثم إن ارتجعها طلقت ثالثة، وإن تركها حتى تنقضي عدتها بانت منه، فإذا تزوجها بعد ذلك، فمن قال: إن تعليق الطلاق بالنكاح يقع في مثل هذا ـ كأبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية ـ قال: إن هذه إذا تزوجها يقع بها الطلاق. وأما من لم يقل بذلك ـ كالشافعي وأحمد في المشهور عنه ـ فهذه لما علق طلاقها كانت رجعية، والرجعية كالزوجة في مثل هذا، لكن تخلل البينونة: هل يقطع /حكم الصفة؟ ظـاهر مذهب أحمد أنه لا يقطع. وقد نص على الفرق في تعليق الطلاق على النكاح بين أن يكون في عدة أو لا يكون، فعلى مذهبه يقع الطلاق بها إذا تزوجها، وهو أحد قولي الشافعي. وعلى قوله الآخر الذي يقول فيه: إن البينونة تقطع حكم الصفة، وهو رواية عن أحمد؛ فإن قوله إذا تزوجها، كقوله إذا دخلت الدار. وإذا بانت انحلت هذه اليمين، فيجوز له أن يتزوجها ولا يقع به طلاق، وهو الذي يرجحه كثير من أصحاب الشافعي. وأما قوله على مذهب مالك؛ فإنه التزام منه لمذهب بعينه، وذلك لا يلزم؛ بل له أن يقلد مذهب الشافعي. وإن كان الطلاق بائنا بعوض والتعليق بعد هذا في العدة وغيره تعليق بأجنبية، فلا يقع به شيء إذا تزوجها في مذهب الشافعي.
/فأجاب: الحمد للّه، لا تحرم عليه بذلك؛ لكن فيها قولان: أحدهما: أن له أن يتزوجها، ولا شيء عليه. والثاني: عليه كفارة ـ إما كفارة ظهار في قول، وإما كفارة يمين في قول آخر. وكذلك مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما أن له أن يتزوجها ولا يقع به طلاق، لكن في التكفير نزاع. وإنما يقول بوقوع الطلاق بمثل هذه من يجوز تعليق الطلاق على النكاح ـ كأبي حنيفة ومالك ـ بشرط أن يرى الحرام طلاقا كقول مالك، وإذا نواه كقول أبي حنيفة. وأما الشافعي وأحمد فعندهما لو قال: كلما تزوجتك فأنت طالق لم يقع به طلاق، فكيف في الحرام، لكن أحمد يجوز عليه في المشهور عنه تصحيح الظهار قبل الملك، بخلاف الشافعي. واللّه أعلم. آخر المجلد الثالث والثلاثين
|